رحلتي إلى البتراء الأردنية سيدة عجائب الدنيا السبع
هنا السحر هنا العظمة هنا التاريخ لا بل هنا عالم خيالي داخل عالمنا الواقعي هنا البتراء المدينة الوردية، لم أعلم يوماً أن هناك مكاناً بهذا الجمال وهذه العظمة في العالم، لأنني منذ زيارتي إلى الأهرامات في بلدي مصر فتنت بها، ومن بعدها إطلعت على العديد من المواقع الأثرية الجميلة حول العالم سواء عن طريق الواقع أو عن طريق العالم الإفتراضي ولكني لم أرى في عظمة الأهرامات على وجه الأرض ليس لأنها في بلدي بل لأنها هى حقاً عظيمة، ولكن بعد زيارة مدينة البتراء تغيرت نظرتي للأبد ووجدت توأم الأهرامات هنا في المملكة الأردنية الهاشمية وتحديداً في عالم الأنباط الخفي في مدينة الأردن الوردية مدينة البتراء إحدى أفضل أماكن العالم، وإحدى عجائب الدنيا السبع، وواحدة من أعظم المعالم التى تم ضمها إلى منظمة التراث العالمي لليونسكو، وأفضل الأماكن السياحية في الأردن على الإطلاق.
حقيقة مازلت مبهوراً بعبقرية المكان ليس هيكل البتراء فقط ولكن البيئة التى تحيط بالبتراء نفسها، العالم في المدينة الوردية مختلفاً تماماً عن عالمنا الواقعي عند رؤية المكان للوهلة الأولة أصابتني الدهشة، من يرى المكان لا يظن يوماً أنه كانت هنا حياة في السابق.
حقيقة لقد أبدع الأنباط وتجملوا في بناء هذه الحضارة وحتماً كانت حضارتهم حضارة ذاخرة بالأمجاد حتي يبدعوا ويتفننوا في بناء ونحت هذا العالم الجمالي المبهر.
سحر الصحراء يعانق مدينة البتراء
الطبيعة الصحرواية الأخاذة التى تحيط بهذا المكان البديع تضفي مزيداً من الجمال على هذا العالم الساحر، وبداية السحر الحقيقي تبدأ عند الدخول إلى الشق الصخري العظيم أو كما يعرف بـ “السيق” الذي يصل العالم الخارجي بالمدينة الوردية. يسير الزائر خلال هذا الشق على مسافة طولية تقارب 1 كيلو متر تطأ أقدامه الحصى وتذهله ألوان وتعرجات الصخور الوردية الجميلة التى تدفعه تلقائياً للبحث عن الكاميرا الخاصة به أو البحث عن هاتفه النقال لإلتقاط بعض الصور لمكان ربما لن يراه مرة أخرى على أرض الواقع وربما لن يرى له مثيل في أي مكان في العالم.
عزيزي لا تتعجل وتغلق عدسة الكاميرا الخاصة بك لأن الإبداع الحقيقي لم يبدأ بعد لأنك بعد قليل ستحتاج إلى عدستك مرة أخرى لأنك قريباً ستصل إلى نهاية الشق الصخري “السيق” وستجد أمامك خزنة البتراء الوردية ولو كنت من المحظوظين عند الوصول وكان نفس الوقت وقت سطوع الشمس وزروته حتماً سيسحرك تعانق اللون الوردي لخزنة البتراء مع أشعة الشمس الساطعة.
عند الوصول سترى حضارة عريقة منحوتة بين الصخور بروح فنانين مبدعين يرتفع هذا الإبداع إلى مسافة تقرب من 45 متراً وبعرض يبلغ 30 متراً يرسمان خزنة البتراء التى تشكل لوحة جمالية عاتية السحر.
رغم عبقرية وفن الهندسة التى تم بها نحت هذا المكان الذي سحرت عقلي ووجداني عرفت شيئاً آخر زادني عجباً وهذا الشئ هو معرفتي بأن هذا الإبداع تم تصميمه من أجل أن يكون قبراً لأحد ملوك الأنباط في بداية القرن الأول الميلادي.
سريعاً خرجت من دهشتي عندما تذكرت أن الأهرامات يعد الهدف من تأسيسها هو دفن الملوك الفراعنة، حينها أيقنت بكم التقارب بين هذه الحضارات التى ربما ربطتها ببعضها صلة كبيرة، لكني سمعت أيضاً أن الخزنة كان تستعمل كـ مكتبة في عصر الأنباط وهذا للحقيقة أسعدني كثيراً لأنني أراها في داخلي مكتبة أكثر من مقبرة، ولكن قد يكون التاريخ رأي آخر ولكن المكتبة والمقبرة هما الشيئين الوحيدين الذي سمعت بهما عند زيارتي للبتراء.
خزنة البتراء
الآن سأتحدث الأماكن التى يمكنكم زيارتها عند زيارة مدينة البترا، وسأتحدث عن كل مكان من خلال نبذه صغير عنه حتى لا أطيل عليكم.
قاعة الولائم ومدفن المسلات في مدينة البتراء
قاعة الولائم هى مقبرة تم بناؤها على النمط الروماني وهى أيضاً منحوتة في الصخر، ويعلو هذه القاعة مقبرة اسمها مقبرة المسلات وهى إحدى المقابر العديدة المنتشرة في مدينة البتراء، بالطبع سيدور في ذهن الكثيرين لماذا ينشئ مواطني هذه الحضارة الولائم والمقابر في مكان واحد؟ هذا يعود لسبب واحد هو ما أعلمه حقيقة وهو أنه كان سائداً في هذه العصور أن تقام في المقابر كل عام عيد سنوي يقوم مواطني هذه الحضارة بتكريم أمواتهم وتقديم الولائم.
من سيزور مدينة البتراء الوردية يمكنه مشاهدة قاعة الولائم والمقبرة في الطريق المؤدي إلى سيق البتراء أو الشق الصخرى العظيم كما أحب أن اسميه.
مذبح البتراء
رغم ارتفاعه إلى أنه يشكل فرصة رائعة لإلقاء إطلالة على محمية البتراء الأثرية والإستمتاع بالمشهد الوردي من الأعلى. كان الهدف الأساسي من إنشاء هذا ىالمذبح هو تقديم القرابين للآلهة التى كانوا يعتقدون بها في ذلك الزمان.
عند الصعود إلى أعلى مذبح البتراء سيكون من أول الأشياء التى تكون في مرمى البصر مسلتان صخريتان حقيقة لا أعلم لماذا تم إنشائهما، ولكني أظنهما يرمزان لتعظيم الآلهة طبقاً لعلمي بالمسلات الفرعونية.
أجمل ما في المكان هو الإطلالة الجميلة على طبيعة وتضاريس المكان الغريبة التى تتسم بالقسوة لكن جمالها يحبس الأنفاس عند رؤيتها.
شارع الواجهات في البتراء
في الطريق إلى مسرح المدينة الذي سأتحدث عنه لاحقاً يوجد شارع الواجهات الذي تصطف على جوانبه مقابر الأنباط. جهة شارع الواجهات الجنوبية تضم مقابر الأغنياء والمسؤلين من الحضارة النبطية، وفي مقابل هذه المقابر توجد مقابر شعب الأنباط.
عوامل التعرية دمرت بعض المقابر، بالإضافة إلى ذلك ساعدت هذه العوامل على نعومة الصخور الوردية للواجهات مما زادها روعة وجمال من وجهة نظري.
مسرح البتراء أو مدرج البتراء
عندما رأيت مسرح البتراء دار في ذهني أنه بناء روماني بناه الرومان عند غزوهم للأنباط، ولكن علمت بعد ذلك أن مسرح مدينة البتراء تم بناؤه في عهد الأنباط قبل غزو الرومان.
ما جعلني أظن أن مسرح البتراء بناء روماني هو وجه الشبه الكبير بينه وبين المدرج الروماني في العاصمة عمان من حيث الأدراج والمسرح الذي يقع في أسفل نقطة من المدرج.
من ناحية الحجم المدرج الروماني في عمان أكبر ، لكن من ناحية الجمال أجد مسرح البتراء أجمل بسبب فن العمار النبطية والطبيعة المحيطة به.
شارع الأعمدة في مدينة البتراء
قلب مدينة البتراء النابض في ذلك العصر، ويقود الشارع مرتاديه إلى وسط مدينة البتراء، كما يمكن من خلاله الوصول إلى ساحة السوق. الشارع في عصر الأنباط كان شارعاً مهماً جداً وذلك لموقعه المهم الأمر الذي أدي إلى انتشار المتاجر على جانبيه في ذلك الوقت، وبعد غزو الرومان واحتلال الأنباط لم يفقد الشارع أهميته بل بالعكس عكف الرومان على تجديده وتحديثه حتى زادت أهميته في تلك الحقبة.
قصر البنت
رغم أن طبيعة البناء في مدينة البتراء معتمد على النحت في الصخور، إلا أن قصر البنت تم بناؤه بعيداً عن النحت بناءً عادياً بطبيعة رائعة.
قيل أن القصر كان استعماله الأساسي من قبل الكهنة في ذلك الزمان، وقيل أيضاً أن القصر تم بناؤه من أجل تعظيم بعض الآلهة التى كان يعتقد بها أهل ذلك الزمان. لا يهم الآن إثبات إحدى الروايتين المهم من وجهة نظري هو وجود القصر والحفاظ عليه.
المعبد الكبير
أيضاً المعبد الكبير مثله مثل قصر البنت غير منحوت في الصخر ولكن تم بناؤه، ويعد المعبد أضخم الأبنية في مدينة البتراء ويقع المعبد على طريق الأعمدة، ويضم المعبد أعمدة وأدراج وساحة كبيرة وغيرها من الأشياء أتركها لإكتشافها بأنفسكم.
مبنى الدير
يشبه الدير خزنة البتراء ولكنه أكبر منها، وكما عرفت أن المبنى سمي بالدير لأنه تم تحويله في العصر البيزنطي إلى دير للرهبان، ودير البتراء هو مبنى مربع الشكل مكون من طابقين يبلغ ارتفاعه 50 متر وعرضه 50 متر.
جمال المبنى والساحة الأمامية له يشكلان منظراً منظراً جمالياً بديعاً خصوصاً بعد انتهاء فصل الشتاء ودخول فصل الربيع مع انتشار النباتات الخضراء الصغيرة في المكان وتعانقها مع ألوان المبنى والطبيعة الوردية التى تشكل منظراً يسحر العقول والقلوب.
قبر القصر
إحدى منحوتات مدينة البتراء الوردية البديعة والتسمية التى سمي بها هذا القبر تأتي من وجه الشبه الكبير بين القبر والقصر، ويعد هذا القبر من حيث الحجم الأكبر بين قبور مدينة البتراء.
يضم قصر القبر أو ضريح القبر أربعة فتحات كل فتحة من هذه الفتحات تصل إلى ضريح أو مدفن، ويعد قصر القبر واحداً من أكثر الأبنية المنحوتة في الصخر من حيث المهابة والجمال في المدينة الوردية.
قبر الجرة
في أحضان إحدى جبال البتراء المهيبة يقع قصر الجرة المنحوت بين الصخور الوردية الجميلة، الذي كان معد أيضاً للدفن من وصل معي بالقراءة إلى هنا سيعلم مثلي أن هذه الحضارة سخرت جزء كبير من عالمها للمقابر والدفن استعداداً للعالم الآخر وهذا بالتأكيد يظهر جلياً في كم المقابر الذي تحدثت عنها، وليس عدد المقابر فقط هو ما يوضح ذلك بل الإهتمام الكبير بمظهر المقابر.
يضم قصر الجرة العديد من الأبواب المقوسة الشكل بالإضافة إلى الغرف المخصصة للدفن والتى يمكن الوصول إليها عن طريقات ثلاث فتحات أعلى هذه الأقواس.
وادي فرسا
السير هنا في هذا الوادي له طعم آخر حيث الشعور بالعظمة نتيجة الجمال الكبير والهدوء الكبير، بالإضافة إلى العديد من المعالم الأخرى مثل ضريح الجندي الروماني الذي سأتحدث عنه في السطور القادمة، ومعبد البستان، والعديد من المعالم الأخرى، لكني تعجبت كثيراً من قلة الزوار في هذا الوادي الرائع إلا وجود استراحة صغيرة في سفح الوادي.
ضريح الجندي الروماني
عند النظر إلى الواجهة المنحوتة في صخر الضريح يتضح وجود هيكل لجندي في وسط النحت يوضح النحت صورة لجندي يعود لبسه المنحوت على جسده للعصر الروماني.
عند رسم الواجهة كما في خيالي فإن الواجهة تضم ثلاث مستطيلات تفصل بينهما أعمدة منحوتة في الصخر، كل مستطيل يضم نحت يحتوي على نحت لإنسان منهم نحت الجندي الروماني.
أسفل المستطيل الثالث توجد بوابة للدخول إلى ضريح الجندي الروماني بالإضافة إلى فتحتين على جوانب القبر هذا التفصيل كما آراه والآن أترككم مع الصورة لتشاهدوا الضريح بأعينكم، أو أدعوكم لمشاهدة الأفضل والأجمل من خلال زيارة مدينة البتراء عظيمة المشهد.
البتراء الصغيرة
تشبه البتراء الكبيرة في أشياء كثير، فاللوصول اليها يجب المرور عبر السيق ولكنه سيق أصغر من سيق البتراء، أيضاً تضم البتراء الصغيرة واجهة خاصة بها لكنها واجهة صغيرة إذا ما قارنها بواجهة التراء.
تضم البتراء الصغيرة العديد من المعالم بديعة الجمال بالإضافة إلى العديد من الممرات التى تصل المعالم ببعضها البعض. أما أكثر ما أعجبني في البتراء الصغيرة هو الأدراج الصاعدة بين الممرات والشقوق الصخرية، أما الأروع في هذه المدينة الرائعة هو البيت المرسوم أحد أحدث المعالم الأثرية التى تم اكتشافها.
البيت يضم لوحة تعود إلى العصر النبطي منقوشة في سقف البيت وتضم اللوحة شجرة مزهرة يقف على غصونها العديد من الطيور بالإضافة إلى طفل يحمل قوس به سهم بالإضافة إلى بعض النقوشات الأخرى.
السد المائي في البتراء
الآن سأعود بكم إلى نقطة البداية وتحديداً عند مكان الوصول إلى مدخل السيق لأول الشق الصخري “السيق” وعند الوصول يوجد سد البتراء المائي والذي تم بناؤه في عهد الحضاءة النبطية من أجل تجميع مياه الأمطار والمحافظة عليها من أجل استعمالها فيما بعد عند الحاجة إليها. تم تحديث بناء سد البتراء على النمط النبطي من قبل الحكومة الأردنية في العام 1964 وذلك من أجل الحفاظ عليه.
النفق المظلم في مدينة البتراء
عن طريق السد المائي يتم ضخ المياه إلى المدينة عن طريق الوادي المظلم أو النفق المظلم ومن ثم ضخها إلى القنوات المائية في مدينة البتراء والتى يمكن رؤيتها بكل وضوح على جانبي السيق المؤدي إلى خزنة البتراء.
خاتمة حول البتراء والأماكن السياحية فيها
كل ماتحدثت به ليس كل شئ عن مدينة البتراء، فهناك الكثير من الأماكن لم أذكرها، فمثلاً البتراء الصغيرة لم أتحدث عنها إلا قليل جداً، ولكن قررت الإكتفاء حتى لا يكون الحديث طويلاً أكثر من ذلك، بالإضافة إلى أنني وفريق العمل سنتحدث عن الأماكن السياحية في مدينة البتراء بشكل مفصل، وسنطرح لكل مكان مقال خاص به نوضح فيه تاريخ المكان والهدف من نشأته بالإضافة إلى بعض المعلومات الأخرى حول المدينة.